تفشي حالات الانتحار في محافظة كركوك العراقية

تفشي حالات الانتحار في محافظة كركوك العراقية

A+ A-

المنظمة البلجيكية لحقوق الإنسان والتنمية,. تقدم بحثها الإجتماعي المعنون ( ظاهرة الإنتحار في محافظة كركوك العراقية أسبابه وطرق معالجته) الذي جاء نتيجة انتشار ظاهرة الإنتحار في هذه المحافظة العراقية وللوقوف على اسباب تفشي هذه الظاهرة في المجتمع الكركوكي قررت المنظمة البلجيكية لحقوق الإنسان سبر غور هذه الظاهرة بعدة تقارير بحثية تصف الداء والدواء.
.

وهذه الأبحاث من إعداد الباحث الاجتماعي في المنظمة البلجيكية لحقوق الإنسان الأستاذ (محمد ازعير) الشخصية الاجتماعية المثقفة والذي ينحدر من محافظة كركوك العراقية, والذي يشغل منصب باحث اجتماعي في منظمتنا.
شهدت محافظة كركوك حالات انتحار بين الفتيات والشباب باستخدام أساليب وطرق متعددة لأسباب اجتماعية أو اقتصادية أو لأساب مجهولة لا يعرفها إلا المنتحر نفسه. ولغرض تمحيص هذه الظاهرة نفسيا وعلميا والوقوف على الأسباب المؤدية بالإنسان إلى إنهاء حياته بوعي أو بدونه فقد ارتأينا إجراء الحوار مع الأخصائيين في مجال الطب والاجتماع والتقينا
: الطبيب النفسي المختص في الوحدة النفسية بمستشفى أزادي التعليمي الدكتور جاسم محمد شندي الذي يقول: إن الانتحار هو قتل النفس عمداً لأسباب عدة، والأمراض النفسية تشكل جزءً من أسباب الانتحار ومنها السبب الأول الكآبة الانفعالية التي يقصد بها نظرة الإنسان بصورة سلبية للحياة ولا يرى فيها حل لمشكلته التي يعاني منها سواء كانت عاطفية أم مادية أم اقتصادية أم فكرية أم ثقافية وهو يعيش داخل صراع، ونتيجة الإجهاد النفسي والمزاج السيئ سوف يتوصل إلى نتيجة إنهاء مأساته بواسطة إنهاء حياته، وقتل النفس بالنسبة للإنسان الطبيعي ليس بالشيء السهل لهذا الكائن الذي يمتلك غرائز حب الحياة والجمال والتوفيق والسعادة وغيرها وتلك الغرائز لا يمكن القضاء عليها إلا بتوافر كم هائل من المعاناة والتوتر والكآبة والكدر.والسبب الثاني داء الفصام يحصل لدى الشخص ويسمع أصوات تأمره بالانتحار، ونتيجة تأثير تلك الهلاوس السمعية والأفكار الضالة التي تأتي في مخيلته وتكرر عليه بشكل مستمر حتى تبدأ بإزعاجه مما تجعل الحياة عنده لا قيمة لها وبالتالي يلجأ للانتحار. والسبب الثالث هو ضعف الشخصية إي ضعف توافق تلك الشخصية مع الأحداث خصوصا عن الفشل وعدم تحمل ذلك تجعل الشخصية الضعيفة تدخل في دائرة التفكير السلبي.والسبب الثالث هو تقمص الأدوار لاسيما شخصيات الأفلام والمسلسلات الذي يخلق نوع من التقليد للقادة الذين يقتلون أنفسهم في سبيل بلادهم، وهذا يرسخ عند الشخص مثل هذا الدفع والتأثير.وكذلك هناك الانتحار غير المقصود بالدرجة الأساس وإنما لجلب الاهتمام والأنظار والتهديد بالانتحار إلا انه يقع الموت نتيجة الخطأ ولم يكن قاصدا هو الموت بالدرجة القطعية كأن يرمي نفسه أمام سيارة أو يجرح نفسه أو يتناول أدوية غير قاتلة إلا أن هذا التهديد قد يصبح انتحارا بغفلة من الزمن ويحدث بالنسبة للأشخاص الضعيفين من حيث القوة الجسمانية والتحمل. أما بالنسبة لكبار السن الذين تظهر عليهم الأمراض ويحتاجون للرعاية والاعتناء بهم تصل بهم الحالة إلى النظر للحياة على إنها صارت مملة بالنسبة له ولغيره ولا يمتلك القدرة على الانتحار فإذا فيبدأ بعدم تناول العلاجات الخاصة بمرضه أو تناول أكثر من الجرعات المطلوبة او لا يأكل ويشرب في محاولة منه لإنهاء حياته لذلك على الأسرة الحذر من هذا الجانب لكبار السن ومتابعتهم وعدم تركهم بالبيت لوحدهم اذا ما بدءوا يفكرون سلبياً وعليه تقديم الدعم النفسي والمعنوي لهم. ومن الأسباب الأخرى للانتحار هو التفكير المنفرد والخوص بها عميقاً ويطرح اسأله على نفسه ولا يجد لها إجابات ليصل لاحقاً على قناعة بإنهاء حياته لذلك الأفضل بالنسبة للدارس والمفكر اللجوء والسؤال من نظرائه والإطلاع على الرأي المقابل وعليه مناقشة رأيه مع الآخرين وتلك التجربة سوف تزوده بأفكار ايجابية ويحصل على أكثر من فكرة بالوقت نفسه كطالب الدراسات العليا عندما يقدم رسالته أو أطروحته فأنه يقابل لجنة وكل عضو فيها يحمل فكرة وبالتالي سوف يستفيد من الآراء والأفكار الأخرى ليصحح أخطائه لذلك يجب عدم الانفراد بالتفكير. ويضيف شندي قوله أن الوقاية خير من العلاج وعلى الأسرة أن تكون قوية الأواصر ومتكاتفة حتى ينتبه أفراد الأسرة إلى المتغيرات التي قد تطرأ على احد منهم في حال إذا ما أكثر من التدخين أو شرب الكحول أو عزل طعامه وتناول المهدءات وقراءة الكتب ذات الأفكار المأساوية والسهر إذا كان ليس من عادته السهر، والتحدث إليه والجلوس معه وإذا كان الفرد فكرة الانتحار متأصلة عنده يجب نقله إلى المستشفى ورعايته ومراقبته وإعطائه الدواء حتى يمكن التعامل معه.
كما أوضحت مديرة مركز الأمل لرعاية الأسرة فرع كركوك سرود محمد فاتح: أن عمليات الانتحار ازدادت في السنوات الأخيرة بين النساء والرجال نتيجة سوء الأوضاع الاقتصادية والأمنية والافتقار إلى لغة الحوار داخل الأسرة والإهمال و أن عدم الاهتمام بالشخص يولد عنده حالة الكآبة وكذلك عدم محاولة العائلة إخراجه من الوضع الذي يعيشه، وممارسة الضغط النفسي خاصة على الفتيات وإضافة إلى العنف بحقهن مما يدفعهن للانتحار، أما بالنسبة للرجال فأن سوء أوضاعهم الاقتصادية وصعوبة إرجاعهم لأموال يدينون بها لآخرين يدفعهم إلى قتل نفسهم. وبينت أن أعمار المنتحرين محصورة على الغالب بين 16_ 35 سنة. وتابعت سرود حديثها مبينة انتحار إحدى النساء التي وصفتها بالطموحة والذكية وقالت: اعرفها منذ سنوات أكملت دراستها في محو الأمية وبعدها الدراسة المتوسطة وصولا إلى الإعدادية وهي متزوجة وأم لأطفال، وكان زوجها يمارس بحقها العنف ويجبرها على ترك الدراسة إلا أنها تحدت الجميع وتطلقت منه في سبيل دراستها والحصول على الشهادة الجامعية، وبعدها تزوجت من رجل أخر وعدها باحتضان أولادها والإنفاق عليهم إلى أن يبلغوا في ظل ظروف معاشيه صعبة كانت تعيشها، إلا انه مارس بحقها سياسة الضغط لإرجاع أطفالها إلى طليقها وإرغامها على ترك الدراسة، مما جعلها في حالة من اليأس وفاقدة للأمل وأقدمت على الانتحار بعدها بيوم. وأشارت إلى أن ظاهرة الانتحار بدأت تزداد وطالبت الباحثين الاجتماعيين الالتفاتة إلى هذه الظاهرة في ظل عدم الاهتمام الحكومي أو أي جهة أخرى، وطالبت بتقوية التواصل داخل الأسرة وعدم إجبار الفرد وإرغامه على شيء لا يريده واعتماد طريقة المناقشة والحوار وعدم ممارسة العنف النفسي، والتفكير بعقلانية حول المشكلات وإيجاد حلول لها خاصة بالنسبة لربات البيوت اللواتي لا يتواصلن مع المجتمع الخارجي. ويقول الباحث الاجتماعي الدكتور عبد الكريم خليفة : أن ظاهرة الانتحار من أبرز المشكلات الاجتماعية وهي نتيجة التطور الكبير الطارئ على المجتمع ودخول الانترنت والفيسبوك ويصاحبها غياب التطور في منظومة القيم السائدة وكذلك القهر الاجتماعي. فانتحار النساء يأتي نتيجة القيود التي يفرضها المجتمع عليها وتقييد حريتها وممارسة الرجل العنف بحقها فضلا عن منع العوائل بناتهم من الدراسة والعمل أو تحميلها مسؤولية طلاقها أو تأخر زواجها وتلك الأرملة التي يجعل منها متقوقعة داخل البيت مما يؤدي إلى اضطراب سلوكي عندها، والمرأة بطبيعتها عاطفية ولا تستطيع تحمل الطلاق والهجر والوضع الاقتصادي السيئ ورعاية الأطفال والنزوح والمجتمع الذي يقيدها ولا يسمح لها بالانطلاق إلى فضاء الحياة وكونها عاطفية لا تستطيع تحمل المشاكل ولا تقدر على مواجهتها وصبرها يكون قليل الأمر الذي يولد عندها اليأس والقنوط ومن ثم تصاب بالكآبة فيكون نتيجتها الانتحار.إما بالنسبة للرجال ينتحرون بسبب المشكلات العاطفية أو مشاجرته مع ولي الأمر واليأس الذي يصيبهم نتيجة الظروف الاقتصادية السيئة. وأشار خليفة الى الدراسات التي اثبتت أن الآباء القليلين في التحدث لأبنائهم يصبحون غرباء عن قيم وعادات والديهم لذلك انصح الآباء بمصادقة أبنائهم ومعرفة المشاكل التي تواجههم، وعدم الضغط عليهم لأي سبب كان. ويشير رئيس قسم العلوم التربوية والنفسية في جامعة كركوك الدكتور علاء الدين كاظم إلى أن الانتحار ظاهرة موجودة وقد تكون مرتبطة بطبيعة المجتمع، حيث فيها الثقافة السائدة هي تحقيق الأهداف وعندما يفشل يقدم على الانتحار، ومع تطور الحياة ازدادت عمليات الانتحار لأسباب عدة منها الضغوط في تنوع المتطلبات وصعوبة تحقيقها وضعف القيم والابتعاد عن المصادر التي تعزز ثقة الفرد بنفسه وتجعله متماسك، وفي مجتمعنا العراقي خصوصا باتت ضغوطات المجتمع كبيرة ولا تحتمل وترك الناس لمصالحهم والنزوح عن مناطقهم ومساكنهم وغياب الأمن النفسي ومقارنة الفرد نفسه بالآخرين يولد ضغط جديد عليه وهذه عوامل تدفع للانتحار، وقسم كاظم المنتحرين حسب فئتين عمرية بالنسبة للذكور منها: فئة المراهقة : ربما الدافع الانفعالي والوجداني والفشل في تحقيق الأهداف ومنها العاطفية تدفعهم للانتحار، أما فئة الشباب فقد تكون الأسباب مرتبطة بمتطلباتهم فالشاب يريد الاستقرار والسكن وتكوين أسرة ومورد مالي حتى يحس بقيمته فلما لا تتوفر لديه تلك المتطلبات يشعر الشاب بعدم قيمته وبالتالي يقول بأن لا أهمية له بالبقاء في الحياة.أما الفتيات المراهقات: فترة المراهقة مربكة لدى البنت وان قلة التوجيه داخل الأسرة قد يحدث الهفوات لدى الفتاة ومنها عاطفية فيدفعها للانتحار، وأما فئة الشابات فأن ما يحصل للذكور نفسه يحصل للإناث في هذه المرحلة منها تطرح تساؤلات لما لا تتزوج الفتاة ولما لا تحصل على شريك حياة مناسب وعدم توفر فرصة عمل لها تشغلها وعدم إكمال دراستها وقلة حيلتها في التعامل مع الحياة وعدم تحقيق أهدافها أو تورطها بعلاقة مع شاب وتراكم مشكلاتها وعدم قدرتها على حلها وخوفها من إفشاء أسرارها ورفض الأسرة زواجها. ويضيف قائلا انصح الأبوين على معرفة متغيرات العمر لدى الذكر والأنثى ومعرفة متطلباتهم وكيفية التصرف معهم ومعرفة أهدافهم وتنمية فكرة كيفية التعامل مع إضرابات الحياة لديهم وجعلهم مرنين في مواجهة الحياة ، ونمو العلاقة مابين الأبوين من جهة ومع الأبناء من جهة أخرى يحسن الكفاءة الشخصية للأبناء، وتكييفهم مع الأحداث غير المتوقعة والإعجاب بأفكارهم وان يكون الآباء قدوة حسنة لأبنائهم ووضعهم على السكة الصحيحة بغض النظر عن بعض الإخفاقات. والجدير بالذكر إن البيان الأول الخاص بالمؤتمر الإعلامي لجمعية الأمل للإرشاد الأسري في محافظة كركوك يشير إلى أرقام انتحار كبيرة سجلتها الجمعية صارت في صفوف النساء والرجال، وبحسب شهادات الوفاة الصادرة عن الطب العدلي في مستشفى أزادي التعليمي في كركوك كما ورد في البيان، ففي العام 2012 بلغ مجموع حالات انتحار النساء حرقا ( 65 ) حالة، وفي العام 2013 حتى بداية تشرين الثاني بلغت ( 55 ) حالة انتحار حرقا، وفي الأشهر العشرة الأولى من عام 2014 بلغت ( 53 ) حالة انتحار حرقا، أما في العام 2015 سجلت في الستة أشهر الأولى إعمال عنف وقتل وانتحار بلغت ( 35 ) حالة انتحار بالحرق. فقد كانت أربعة منها سجت لذكور، ومنها ( 17 ) حالة انتحار شنقا أو إطلاق رصاص منها ( 7 ) حالات لإناث و ( 10 ) حالات لذكور، فيما كانت حالات القتل باستخدام العنف بكل أنواعه ( 14 ) وكل ضحاياها النساء حصرا. أما مدير شعبة الطب العدلي معاون طبيب عدلي شكر محمود احمد قال: كل قضايا الشرطة تحال إلى شعبة الطب العدلي وكذلك إحصائيات الانتحار تأتي من مراكز الشرطة وليس من عندنا في الطب العدلي، وكثير من التقارير الإعلامية غير دقيقة وهي بواد ونحن بواد آخر وهي تشير إلى أعداد الموتى التي ترد إلى الطب العدلي بشكل إجمالي ولكن بعد انتهاء التحقيقات وتسجيل البيانات قد تظهر حالات الانتحار اقل مما هو مذكور في تلك التقارير إذا ما صنفت الحالات الواردة إلى الطب العدلي. وصنف شكر الحالات الواردة إلى الطب العدلي حسب جدول مقسم الجنس ذكر أو أنثى ، من حيث العمر، وفيه حقول منها إفادة ذوي الميت وليس من وجهة نظر تحقيقيه، ومقصودة من قبل المصاب (الانتحار)، وعرضية غير مقصودة من قبل المصاب، ومقصودة من قبل الآخرين (قتل عمد)، وعرضية من قبل الآخرين، وحالة غير معروفة، وأوضح أن دائرة الطب العدلي ليس من شأنها البت فيما إذا كان الميت منتحر أم مقتول لان هذه الأمور من مهام الجهات التحقيقية في مراكز الشرطة ووظيفة الطب العدلي هي كتابة تقرير يوضح فيه المواد المستخدمة والأدوات التي أدت إلى الموت، لذلك يفتقر الكثيرين للمعلومات حول الطب العدلي ووظيفته. ودعا بالوقت نفسه الإعلاميين إلى متابعة الحالات التي ترد إلى الطب العدلي والتي ينقلونها في أخبار مؤسساتهم ومتابعة التحقيقات لبيان ما إذا كان الحادث انتحارا من عدمه، وان لا يكتفوا بنقل معلومة واحدة فقط. وبعد اتصالات أجرتها النبأ مع بعض منظمات المجتمع المدني، تبين أن واحدة من ابرز الأسباب التي تدفع لانتحار الفتيات هو إجبارهن على الزواج خصوصا في القرى والأرياف وهذا ما ستتطرق إليه بموضوع مفصل في أعدادها القادمة