BAMRO

بلجيكا والاعتراف بفلسطين: خطوة حقوقية لإقرار حق تقرير المصير

في الثاني من سبتمبر 2025، أعلنت بلجيكا اعترافها بدولة فلسطين، إلى جانب فرض عقوبات على إسرائيل. للوهلة الأولى قد يُقرأ القرار في إطار السياسة الخارجية أو التوازنات الدبلوماسية، إلا أن جوهره الحقيقي يتصل بحق أساسي من حقوق الإنسان: حق الشعوب في تقرير مصيرها، كما نصت عليه المواثيق الدولية، وعلى رأسها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (1966).

تقرير المصير كحق أساس

المادة الأولى من العهد الدولي تنص بوضوح على أن:

“لجميع الشعوب الحق في تقرير مصيرها، ولها بمقتضى هذا الحق أن تقرر بحرية وضعها السياسي، وأن تواصل بحرية تنميتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.”[^1]

هذا النص يعكس قاعدة راسخة في القانون الدولي العام، إذ يعتبر حق تقرير المصير من المبادئ الآمرة (jus cogens) التي لا يجوز مخالفتها أو الالتفاف عليها. ومن بين أبرز الشعوب التي حُرمت من هذا الحق على مدى عقود، يبرز الشعب الفلسطيني الذي يعيش تحت الاحتلال العسكري، والاستيطان، والحصار، والانتهاكات الجسيمة لحقوقه الأساسية.

الاعتراف البلجيكي: ما وراء السياسة

قرار بلجيكا لا يمكن حصره في خانة السياسة، بل هو تجسيد قانوني وإنساني لمبدأ دولي واجب الاحترام. فالاعتراف بفلسطين:

يُعيد التأكيد على شرعية مطلب الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة.
يشكل أداة لمساءلة السياسات الإسرائيلية التي تنتهك القانون الدولي الإنساني.
يترجم التزامات بلجيكا الدولية، بصفتها طرفًا في العهد الدولي واتفاقيات جنيف، بدعم حماية المدنيين وحقوقهم الأساسية.[^2]

بلجيكا ومسؤولية المجتمع الدولي

من خلال هذه الخطوة، تؤكد بلجيكا التزامها بمسؤوليتها الأخلاقية والقانونية تجاه حماية حقوق الإنسان. ففي وقتٍ يتراجع فيه البعد الحقوقي في العلاقات الدولية أمام اعتبارات المصالح السياسية والاقتصادية، يبرز القرار البلجيكي كـ نموذج يُحتذى به في وضع حقوق الإنسان في قلب القرار السياسي.

هذا الموقف لا يُعتبر تضامنًا عاطفيًا بقدر ما هو تطبيق مباشر للقانون الدولي، ورسالة واضحة بأن الشرعية الدولية لا يمكن أن تبقى نصوصًا جامدة، بل يجب أن تُفعل لصالح الشعوب المظلومة.

تحية لبلجيكا

تتوجه منظمتنا بالتحية والتقدير للدولة البلجيكية على هذا القرار التاريخي. فهو لا يعكس فقط التزامًا بالقانون الدولي، بل أيضًا احترامًا للكرامة الإنسانية وحق الفلسطينيين في العيش بحرية وأمان.

إن الاعتراف بفلسطين، مقترنًا بآليات عملية مثل العقوبات، يمثل خطوة ملموسة لإعادة الاعتبار لمبادئ العدالة الدولية، ويمهّد الطريق أمام دول أخرى لاتخاذ مواقف مشابهة.

خاتمة

إن الاعتراف بدولة فلسطين ليس شأنًا سياسيًا عابرًا، بل هو إقرار بحقوق إنسانية أصيلة، وفي مقدمتها حق تقرير المصير. قرار بلجيكا يمثل نقلة نوعية في مسار المجتمع الدولي نحو العدالة، ورسالة مفادها أن القانون الدولي يمكن أن يكون أداة فاعلة لحماية الشعوب.

الهوامش:

[^1]: المادة 1 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الجمعية العامة للأمم المتحدة، القرار 2200A (XXI)، 16 ديسمبر 1966، دخل حيز النفاذ في 23 مارس 1976.

[^2]: اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية المدنيين وقت الحرب، 12 أغسطس 1949، ولا سيما المواد المتعلقة بالأراضي المحتلة (المواد 47–78)