الدورات

23-05-2023
دورة دبلوم في فهم الشخصيات 15.11.2023
دورة دبلوم في فهم الشخصيات 15.11.2023
تصويت
-
هل تـؤيد استمرار برامجنا التدريبية عن بُعد أو في مكتبنا؟
سجل انتهاك
نتصل بك
S.O.S.
0032 02 7322568د. عبدالصمد مخلف

النخبة والتدخين: مفارقة الوعي والإدمان في ضوء اليوم العالمي للامتناع عن التبغ”
النخبة والتدخين: مفارقة الوعي والإدمان في ضوء اليوم العالمي للامتناع عن التبغ”
بقلم: د. عبدالصمد مخلف
في 31 مايو من كل عام، يقف العالم أمام مرآة الواقع الصحي ليُراجع نفسه بمناسبة اليوم العالمي للامتناع عن تعاطي التبغ. يوم خُصّص لتحذير البشرية من هذا القاتل البطيء الذي لا يُفرّق بين غني وفقير، ولا بين أمي ومثقف. المفارقة الكبرى التي تسترعي الانتباه في هذا السياق، هي ظاهرة انتشار التدخين حتى بين أفراد “النخبة” ــ أولئك الذين يُفترض أنهم الأكثر وعيًا، من مثقفين وأطباء ومسؤولين وصناع رأي.
لماذا يدخّن الأطباء؟
عندما ترى طبيبًا يشرح مضار التدخين في الصباح، ثم يدخّن سيجارة في المساء، لا يسعك إلا أن تسأل:
هل الوعي وحده كافٍ للتغيير؟
الحقيقة التي يؤكدها علم النفس أن الوعي بالمشكلة لا يضمن التوقف عنها. فهناك عوامل أعمق من المعرفة تلعب دورًا في سلوك المدخّن، حتى لو كان طبيبًا أو أكاديميًا.
1. الإدمان النفسي والارتباط الشرطي:
التدخين غالبًا لا يبدأ بسبب الحاجة البيولوجية، بل يبدأ كفعل اجتماعي أو وسيلة للهروب من الضغط، ثم يتحوّل تدريجيًا إلى “صديق زائف” في أوقات التوتر، ثم يتحول إلى عادة مقترنة بمواقف معينة: مع القهوة، بعد العمل، في لحظات التفكير. هذا ما يسمى في علم النفس بـالارتباط الشرطي.
2. الشعور بالنقص والبحث عن صورة الذات:
عند البعض، وخاصة في فترة المراهقة، يبدأ التدخين كمحاولة لإثبات “الرجولة” أو “النضج”، أو للتماهي مع صورة معينة يرونها جذابة في الإعلام أو بين الأقران. وللأسف، بعض هؤلاء ينقلون هذا الشعور معهم إلى مراحل متقدمة من العمر دون أن يدركوا أن التدخين ليس رمزًا للهيبة بل عرضٌ لمشكلة أعمق: نقص تقدير الذات.
3. النخبة وضغط المثالية:
الطبيب أو المثقف الذي يشعر بأنه مطالب دائمًا بأن يكون قدوة، قد يجد في التدخين متنفسًا سريًا “للهروب من القالب”، وكأن السيجارة تصبح تمرّدًا داخليًا صامتًا على الصورة التي يُراد له أن يتمثلها دائمًا. وهذا في جوهره يُعد تعبيرًا نفسيًا عن الضغط الذاتي المستمر، لا عن قناعة بالتدخين نفسه.
العلاج من إدمان التدخين: مدخل نفسي وعملي علمي
الإقلاع عن التدخين ليس مجرد قرار، بل رحلة متعددة المراحل تحتاج إلى فهم عميق للدوافع النفسية، والتعامل معها بطرق عملية مدروسة. فيما يلي أبرز الأساليب المعتمدة علميًا لعلاج إدمان التدخين:
أولًا: العلاج السلوكي المعرفي (Cognitive Behavioral Therapy – CBT)
يُعتبر من أنجح الوسائل النفسية للتعامل مع الإدمان. ويركز على:
فهم المحفزات: ما الذي يدفع الشخص إلى التدخين؟ (القلق، العزلة، الضغوط الاجتماعية، إلخ).
إعادة تشكيل التفكير: تغيير الفكرة المترسخة بأن “التدخين يُريحني” إلى “التدخين يدمّر صحتي ولا يحل مشكلتي”.
وضع خطة بديلة: تقديم بدائل فورية عند الشعور بالحاجة للتدخين (مضغ علكة، ممارسة تنفس عميق، المشي السريع…).
ثانيًا: الدعم الجماعي والاستشارات النفسية
المشاركة في جلسات دعم جماعية (مثل برامج “الإقلاع عن التدخين” التي تنظمها المستشفيات أو المنظمات الصحية) تُعزز الشعور بعدم الوحدة، وتوفر:
تحفيزًا دائمًا
تبادلًا للتجارب الواقعية
نموذجًا عمليًا لمن نجحوا في الإقلاع
ثالثًا: العلاج الدوائي (البدائل النيكوتينية والأدوية)
بإشراف طبيب مختص، يمكن استخدام وسائل دوائية مدروسة، منها:
1.
بدائل النيكوتين (NRT)
:
وتشمل:
لصقات النيكوتين
علكة النيكوتين
أقراص أو بخاخات الفم
تعمل على تقليل أعراض الانسحاب تدريجيًا، وتساعد الدماغ على التكيف دون صدمة مفاجئة.
2.
أدوية غير نيكوتينية:
Varenicline (Champix/Chantix): يعمل على تعطيل مستقبلات النيكوتين في الدماغ، مما يقلل من متعة التدخين.
Bupropion (Zyban): مضاد اكتئاب يساعد في تقليل الرغبة في التدخين وأعراض الانسحاب.
رابعًا: التطبيقات الذكية والمتابعة الرقمية
استخدام تطبيقات الهواتف الذكية التي توفر:
عدّادًا للسجائر الممتنعة
حساب المال المُدَّخر
متابعة الفوائد الصحية مع مرور الوقت
رسائل دعم وتشجيع يومية
خامسًا: أسلوب التوقف التدريجي مقابل التوقف الفوري
1. التوقف التدريجي:
تقليل عدد السجائر يوميًا مع إدخال بدائل صحية ومراقبة مشاعر التوتر والانسحاب.
2. التوقف الفوري (Cold Turkey):
يُناسب بعض الشخصيات القوية التي تفضل الحسم، لكنه يحتاج إلى دعم نفسي مكثف خلال الأيام الأولى.
سادسًا: العلاج بالتنويم المغناطيسي (Hypnotherapy)
يستخدمه البعض لإعادة برمجة الدماغ على كراهية التدخين، وخلق شعور رافض له.
فعال لدى بعض الحالات، خصوصًا من لديهم استعداد عميق للتغيير.
دور الأسرة والمجتمع في العلاج
الدعم الأسري عنصر حاسم، فبدون بيئة مشجعة، قد يفشل الفرد في الصمود أمام الانتكاسة.
الإعلام والتعليم يجب أن ينتقلا من عرض صور الأمراض فقط إلى تقديم قصص النجاح ومهارات الاستغناء عن التدخين.
سابعا : التحرر يبدأ من الداخل
إن فهم حقيقة التدخين ليس كافياً، بل لا بد من الاقتناع النفسي، والرغبة الصادقة، والخطة العملية.
فمن يُريد الحياة لن يُمسك بيده جمرة.
ولن يُطفئ نار السيجارة إلا من أشعل بداخله نور العافية
رسالة في يوم التبغ العالمي:
التدخين ليس فقط مشكلة صحية، بل مشكلة نفسية وثقافية وتربوية أيضًا.
ولن ننتصر على التبغ إلا إذا انتصرنا أولًا على أوهامنا الداخلية، وواجهنا دوافعنا النفسية بصدق وشجاعة.
والنخبة ليست مستثناة من هذا الصراع، بل ربما هم أحوج إلى هذا التحرر لأن تأثيرهم لا يتوقف عند ذواتهم، بل يشكّل وعي مجتمعات كاملة
قوائم
- 1
- 2